زكي داغستاني، قارئ عصامي لم تهزمه المِحن
ازداد الشيخ زكي داغستاني واسمه الكامل محمد زكي بن عمر داغستاني في مكة المكرمة سنة 1345هـ، بعد ولادته بسنة ونصف، أصيب بمرض الجدري ففقد نعمة البصر لواصل حياته كفيفا. وَضْعٌ لم يمنعه من الاطلاع على كتاب الله والاستئناس به. فقد تمكن من حفظ القرآن الكريم كاملاً عن طريق الاستماع، وتعلَّم قواعد حفظه وتجويده على يد عدد من الشيوخ والقراء أبرزهم الشيخ جعفر جميل والشيخ أحمد حجازي الذي قرأ عليه برواية حفص عن عاصم سنة 1369هـ، ونال على يديه إجازة تلاوة وتدريس القرآن الكريم سنة 1374هـ.
بعد إتمامه لحِفظ القرآن الكريم وضبطِه لقواعد التلاوة والتجويد، وبفضل إمكانياته الصوتية القوية وخبراته العلمية الطويلة، شغل القارئ الشيخ زكي داغستاني عددا من المناصب التربوية والدعوية بالمساجد وبمدارس تحفيظ القرآن الكريم عبر تراب المملكة العربية السعودية، ومن ذلك نذكر على سبيل المثال لا الحصر؛ عمله كمدرس للقرآن الكريم بالحرم المكي الشريف، واشتغاله كمعلم للقرآن الكريم بوزارة المعارف السعودية سنة 1382هـ، مساهما بذلك في تكوين عدد كبير من حفظة كتاب الله الذين كانوا يَفِدُون عليه من المملكة العربية السعودية ومن مختلف البلدان العربية والإسلامية.
وقد عُرف الشيخ زكي داغستاني بنشاطاته القَيِّمة ومشاركاته الفاعلة في مجال التعليم والإعلام. فبالإضافة إلى عمله في كأستاذ بمدارس تحفيظ القرآن الكريم، تميز الشيخ زكي داغستاني بظهوره الدائم بعدد من المنابر الإعلامية السمعية والبصرية، حيث كان ضيفا مألوفا تطلُبه بشكل متكرر المحطات الإذاعية والتلفزية في المملكة العربية السعودية، وكان من أوائل المدعويين للمشاركة في الاحتفالات الملكية الرسمية باعتباره شيخ القراء في بلده. وغالبا ما كانت تُفتتح هذه الأنشطة وتختتم بآيات بينات من الذكر الحكيم يتلوها بصوته الشجي وقراءته العذبة.
بعد محنة فَقْدِ البصر في طفولته، تعرض الشيخ زكي داغستاني لمِحنة أخرى في الستينات من عمره عندما أصيب بمرض الشلل الرعاش سنة 1405هـ، مرضٌ أثر في مساره العلمي والعملي، وقلَّص من نشاطاته التربوية والدعوية. فقد كان المرض يشتد عليه أحيانا لدرجة انقطاعه عن الناس. وبعد سنوات من الألم والمعاناة شاء الله تعالى فانتقل الشيخ زكي داغستاني إلى جواره ربه سنة 1425هـ/2004م، فأقيمت الصلاة على جنازته بالحرم المكي الشريف و وُورِيَ الثرى في مقبرة المعلاة بالمملكة العربية السعودية.